Wednesday, September 9, 2009

الأديبة كارمن الحاج في كتابها (لا): نصوص تترجح بين الشعر والنثر

اللواء – 1 أيلول 2009 العدد 12674 كتب زهير غانم في اللواء الثقافي/ كتاب
في أوبريت شهيرة· عن كارمن الراقصة الغجرية التي يعشقها مدير فرقتها، وهي غجرية لعوب، تفجر الغيرة في من يحبها، وتوغر صدره عليها· وفي حفلة الرقص الأساسية، يطعنها بخنجر· على المسرح، وهي دراما إنسانية مؤثرة أدبياً وفنياً، تتناول الأديبة كارمن الحاج، ربما من رائحة عطر اسمها· وتقلب هذه الدراما لتصل في نصوصها الأدبية البارعة التي تترجح بين الشعر والنثر، بين قصيدة النثر· المتوترة الكثيفة لغوياً وجمالياً، وبين البلاغات التي تصدرها ضد حبيبها، كسلطان مخلوع أو شهريار· وهي تصدرها مرقمة بعد تنازلي من الرقم 7 الى الصفر، وقبلها نص نثري فيه شطحات شعرية، تفتحه بشطر بيت لنزار قباني "ختر الحب أو اللاحب، فجبن ألا تختار" وهي تغيره أو تحوره، من صيغة المؤنث الى صيغة المذكر لخطاب حبيبها الذي هو شهريار، وهو السلطان المخلوع، وكأنها تستعير قناع المذكر، وهي في حال الجندر، حيث تقول خطابها الشعري والنثري من رأسها، غير عابئة بما يقول الآخرون، فالمرأة القوية، ذات الشخصية العنيفة، يقولون عنها مسترجلة، وهذه ليست حقيقة· سوى في التراث الشعبي، الذي يرغب في رقة المرأة وحنانها، واستسلامها، وطاعتها للرجل، تتمرد كارمن الحاج على ذلك بتغيير الأدوار، لكنها تظل امرأة عاشقة بنصوصها الناعمة، رغم خفقها واضطرابها، واصطراخها العاطفي وكأن لا شأن لها سوى بتسوية أوضاع من تحب· وإنزاله عن عرشه كما استولت شهر زاد على قلب شهريار الملك القاتل الذي فقد ثقته بالمرأة وتكون شهرزاد، قد فكت الرصد والعنف الواقع على بنات جنسها، وربما أعادت الأمور الى نصابها·
لا تسمي كارمن كتابها سوى بالعنوان، أي لا تجنسه، وكأنه شعر ونثر معاً، ثم أنها في قصائد الشعر أكثر ذاتية واتضاحاً، والرجل في البلاغات أكثر بورتريهاً وصورة، وتحديداً، سوى أن ذلك مختلط، ولا يتفاصل بين الشعر والنثر، ففي كليهما رجل وامرأة، وهي تلوح بالأفعى، ونعرف علاقة الأفعى وحواء· وسقوط آدم من الجنة، هي تحس وتصرح أن المرأة أقوى من الرجل، وأن الرقة والنعومة، أقوى من العنف والجبروت، لكن وكأنها في دراما العشق، وذلك الصراع العنيف في هذا المدار الحارق، بينها وبين حبيبها· حيث تساور وتسارر نفسها في خطابها الأدبي وتعتكس اللغة والتعبير في ذاتها المصابة بوعي شقي تجاه ذلك· إنها تحاول لأم الجرح الذي يخلفه الحب، وتحاول مداواته، وإيقاف نزفه، وفي مرات تنكأه، وتجعله ينزف مرة وثانية وثالثة، إلى ما لا نهاية، حيث لا يستنفد الكلام في الحب عبر المرايا التي تتراسمها لروحها العاشقة وجسدها، ولروح الرجل وجسده وما يعتكس فيهما من وله ووجد، وكأن الحب حتى الفناء، وكأنها تغتال حبيبها كي يكتمل حبها، وهي تفكر كالحمامة في الريح، فتقول لو لم يكن هناك ريح، لطرت بسهولة، تنسى الحمامة والشاعرة· إذا لم يكن ريح، فإنها لا تطير ولا تحب··!

إن الأديبة تحقق في كتابها لذة النص، لذة القراءة، ومتعة التجوال في حدائق الحب وغاباته، وبحاره ومحيطاته في جغرافيته وتضاريسه، وجيولوجيا أعماقه، لأنه من الواضح أنها عاشقة والهة وهي في الهديل اللغوي الذي تبثه عبر هذه العلاقة، التي هي دراما الوجود إنها لا بد وتعرف تراث الحب العربي، من قيس وليلى، وجميل بثينة وكثير عزة، وعروة عفراء، وغيرهم الكثير، وكأنها في كتابها قسم من مصارع العشاق، وتزيين الأسواق في الحب العربي، ثم هي تعرف الحب الغربي، عن روميو وجولييت، وتريستان وإيزولت، وكيلوباترا وأنطونيو، إلى آخر ما هنالك من هذا التراث العظيم، بالتأكيد تعرف نشيد الإنشاد، ذلك النشيد الرعوي العارم بالحب، الذي تسوقه عاشقة تجاه حبيبها وفي حوار، كما فعلت كارمن في كتابها "لا"!

كتاب "لا" للأديبة كارمن ميكال الحاج، جميل وماتع، ورائع، وهو من أنفاس امرأة عاشقة، تتزافر الحب، وتتلاهثه، وتتشاهقه أيضاً، لذلك تبدو كبرياء المرأة عالية وعارمة، وليكن، عندما يفرغ الحاكمون من كلامهم، فسوف يتكلم المحكومون وهي تفعل ذلك على حد قول بريخت··! زهير غانم
  • "لا" كتاب شعر - نثر 2009
  • كارمن ميكال الحاج
  • منشورات خاصة - بيروت
  • 106 ص قطع صغير - غلاف ملون تصميم، سلام جميل المصفي

No comments:

Post a Comment